أصيلة.. جوهرة الأطلسي التي تدعو زائرها للمزج بين الثقافة والاستجمام
هي مدينةٌ أصيلة حقّا، كما أن الاستمتاع فيها بوقت الأصيل قد يكون واحدةً من أجمل اللحظات هدوءاً لمن يبحث عن الاسترخاء.
لكل شيء في مدينة أصيلة أصل وتاريخ ضارب في العمق. كما أنها مدينة شاطئية تفتح ذراعيها للزائرين صيفاً من أجل الاستجمام والاستمتاع، وشتاءً من أجل تذوق معنى السلام والهدوء، ولم لا تذوق مختلف مدارس الفن بين جدرانها وفي قاعاتها المخصصة لذلك.
نادِها بـ"أصيلة" أو "أزايْلا"، كما تشاء، واسترجع تاريخها بدءاً من الفينيقيين والقرطاجيين، مروراً بالرومانيين والنورمانديين، ولم لا تسترجع أيضا زمن الاستعمار البرتغالي في القرن 14، حين جعلوا منها مركزا للإشراف على سفنهم عبر المحيط الأطلسي.
تذكّر، وأنت تستمع إلى صوت تكسّر الأمواج على شاطئ المحيط الأطلسي، كيف استرجعها أحمد المنصور السعدي سنة 1598، ثم سقوطها من جديد بين يدي الإسبان، وأخيراً عودتها إلى نفوذ الدولة العلوية سنة 1691.
وأنت تزور قصر مولاي أحمد الريسوني، لا بأس أن تسترجع كيف بسط هذا الأخير نفوذه عليها، قبل أن يطرده منها الإسبان سنة 1924 ويحكموا قبضتهم عليها حتى مرحلة الاستقلال.
الوصول إلى أصيلة
أصيلة مدينة صغيرة، وهي لا تتوفر على مطار أو ميناء، لكن الوصول إليها سهل جدا برّاً انطلاقا من مدينة طنجة، التي تبعد عنها 31 كيلومترا فقط، إما عبر الطريق الوطنية أو الطريق السيار. تتوفر في مدينة طنجة مختلف وسائل النقل من حافلة وسيارات أجرة، والتي تنقلك إلى أصيلة مقابل أثمنة تبدأ من 7 دراهم بالحافلة العمومية إلى 30 و40 درهما عن طريق سيارة الأجرة الكبيرة أو الحافلات المتنقلة بين المدن.
كما توجد بمدينة طنجة مواقف عديدة للانطلاق نحو أصيلة، أبرزها ملتقى طرق "كاسطيا" الذي يعتبر نقطة انطلاق رئيسية نحو المدينة الصغيرة.
خيارات الإقامة
كباقي المدن الصغرى، توفر أصيلة قائمة من الفنادق والبنسيونات الصغيرة التي تناسب جميع الميزانيات، بأسعار في المتناول بشكل عام، تبدأ ابتداء من 200 درهم. كما أن خيار كراء الشقق الخاصة يبقى متوفراً، إضافة إلى الرياضات والإقامات المواجهة للبحر، وذات الطابع التاريخي والنقوش المغربية الأنيقة.
موسم أصيلة
لا يمكن الحديث عن أصيلة دون الحديث عن موسمها الثقافي السنوي الذي وصل الآن إلى عقده الأربعين، بعد أن كان قد انطلق سنة 1978، والذي يجعل الزائر يمزج بين متعة الاستجمام ومتعة تذوق الأطباق الفنية والثقافية أيضا، في مزيج نادر.
خلال فعاليات الموسم الثقافي للمدينة، تتزين جدران أصيلة بألوان متجددة وتصورات جمالية مختلفة وتواقيع فنانين عالميين ومحليين، ليتحول الأمر إلى مدينة كاملة على شكل معرض مفتوح يرقى بالأرواح والنفوس إلى عالم أجمل.
كما يمكنك أن تشاهد بشكل مباشر، طيلة أيام المهرجان، عشرات الفنانين من مختلف الدول والمدارس الفنية الذين يعرضون فنهم، سواء داخل رواق مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية أم من خلال لوحات تشكيلية على الجدران الخارجية للمدينة العتيقة ومنازلها البسيطة الجميلة.
أيضا، إن كنت تحتاج إلى مزيد من الإشباع في المواضيع الثقافية والمناقشات المستفيضة، ستجد برنامجاً ثريا يضم عشرات اللقاءات خلال نفس المهرجان، دون أن نغفل أنه، خلال سنوات الموسم الثقافي، ازدانت المدينة بسلسلة من الحدائق التي حملت أسماء شعراء وكتاب عرب وأفارقة، على غرار حديقة تشيكايا أوتامسي ومحمود درويش والطيب صالح ومحمد عابد الجابري وغيرهم.
برج القمرة
قد يكون برج "القمرة" بداية مثالية لزائر أصيلة، والذي تفيد المصادر التاريخية أنه كان آخر عهد ملك البرتغال دون سيباستيان بالمكان قبل أن ينطلق منه لخوض معركة وادي المخازن، حيث هُزمت جيوشه على يد الملك السعدي أحمد المنصور.
تم ترميم البرج في بداية التسعينيات في إطار تعاون مغربي برتغالي، بينما في أقصى زاوية للمدينة على البحر، ينتصب قصر الريسوني الفخم والحصين، الذي بناه هذا الأخير بداية القرن العشرين، وأعيد ترميمه هو الآخر من قبل مؤسسة منتدى أصيلة ليصبح معلما بارزا يحتضن تظاهرات ثقافية وفنية.
يقول المؤرخون أن الريسوني كان قد جلب أمهر الصناع التقليديين في مختلف تخصصات الصنعة، كالنقش على الخشب والجبس وصناعة الزليج الأندلسي لبناء قصره، الذي انتهى على شكل لوحة فنية معمارية جميلة تثير إعجاب الناظرين. وأثناء تجولك بالقصر يمكنك أن تلمس كل ما ذكر وأكثر، حيث يبقى تصميم القصر نفسه شاهدا على الإبداع وسفيراً مثاليا لماضي المدينة التليد.
برج القريقية والمدينة القديمة
أما الآن، وبعد يوم متعب، تعالَ إلى برج القريقية، الذي يمتد كلسان داخل البحر، حيث يمكنك أن تطل على مياه الأطلسي، وتترك رذاذ الموج يداعب وجهك، وأنت تستحضر تاريخ المكان الذي بناه البرتغاليون في القرن الخامس عشر الميلادي.
ثم، بعد أن يقترب المساء، يمكنك أن تعرّج على الفضاء الساحر للمدينة العتيقة دروبها الضيقة وأزقتها الأنيقة وبمنازلها المتشحة بالبياض والزرقة في تراصٍّ جميل، وبجدارياتها المُزينة برسوم فنانين تشكيليين من مختلف المدارس والأجيال، وبالأسوار المحيطة بها التي يعود تاريخها إلى عهد البرتغاليين.
ويمكن الدخول إلى أحياء المدينة العتيقة عبر ثلاثة أبواب هي باب القصبة، وباب البحر، وباب الحومر، وتوجد بداخلها قيسارية لمنتجات الصناعة التقليدية، وساحة "القمرة" التي تقام بها سهرات الهواء الطلق خلال الموسم الثقافي للمدينة، وساحة أخرى تشرف على البحر يسميها الأهالي ساحة "الطيقان" تؤدي إلى برج "القريقية".
بنيت المدينة العتيقة على شكل مستطيل مقابل للشاطئ، وهي تتكون من خمسة أحياء رئيسية هي: القيسارية وحومة ابن عياد وحومة المجيمع وحومة القريقية والقصبة، وهي عبارة عن قلعة كبيرة مستطيلة تواجه شاطئ البحر وتعد النواة الأولى للمدينة وتحتوي على المسجد الجامع والأبراج الأولى التي بنيت خلال القرن الثالث الهجري.
وسط كل هذا التاريخ، لا تنسَ زيارة المسجد الجامع الذي تعود فترة بنائه إلى القرن الثالث الهجري، أو حتى قصر الخضر غيلان وهو عبارة عن قصر بني وفق النمط الأندلسي المغربي خلال القرن السابع عشر من طرف أمير أصيلة المجاهد أحمد الخضر غيلان.
ماذا عن الاستجمام؟
قد تكون شهرة مدينة أصيلة الثقافية قد غطت بشكل ما على كونها مدينة استجمام أيضا، فشاطئها المحاذي للمدينة الحديثة يجلب آلاف الزوار من مختلف المدن المغربية، وحتى من خارج المغرب. لكن أصيلة تشتهر أيضا بشاطئ كهف الحمام الذي يقع بمدشر تندافل، على بعد حوالي 7 كيلومترات جنوب المدينة، ويشكل ثروة طبيعية تغري أعدادا كبيرة من عشاق الاصطياف؛ رغم وعورة المسالك المؤدية إليه.
قد يكون الوصول إلى الشاطئ صعبا نظرا لصعوبة المسالك المؤدية إليه، لكنه يبقى ملاذا رائعا لعشاق المغامرة الراغبين في لحظات من الهدوء والاسترخاء بهذا الشاطئ المتميز برماله الذهبية وزرقة مياهه وصفائها الشديد.
ولأننا نتحدث عن مدينة ساحلية، فالأكيد أن تذوق أسماك المنطقة سيكون واحداً من التجارب الجميلة التي يخوضها الزائر، فالمطاعم المحلية تتواجد على طول الشاطئ، وحتى داخل أزقة المدينة القديمة، داعيةً إياك للاقتراب أكثر من أجل تذوق أطباق الأسماك الطازجة، وأنت تتطلع إلى الأمواج أمامك، أو تستمع بتأمل أحد الجداريات الفنية.
ولا بأس أبداً، إن كنت من هواة التسوق، أن تلقيَ نظرة على السوق المركزي الذي يضم العديد من المحلات التجارية والأكشاك المحلية، والتي تعرض وتوفر عددا كبيرا من المنتجات المختلفة من البضائع المحلية.